والخلاصة: إنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله، ومن قبل ذلك أيضا، إذ هم ترقّبوه فى إبّانه فتأخر، ثم مضت فترة فترقبوه فيها فتأخر، ثم جاء بغتة بعد اليأس والقنوط، وبعد أن كانت أرضهم هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي فانظر أيها الرسول أثر الغيث الذي أنبت به ما أنبت من الزرع والأشجار والثمار، وفيه الدليل الكافي على عظيم القدرة وواسع الرحمة.
وإذ قد ثبتت قدرته على إحياء الميت من الأرض بالغيث ثبتت قدرته على إحياء الأجسام بعد موتها وتفرقها وتمزقها إربا إربا، ومن ثم قال:
(إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) أي إن ذلك الذي قدر على إحياء الأرض قادر على إحياء الأجسام حين البعث.
ثم أكد هذا بقوله:
(وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فلا يعجزه شىء، فإحياؤكم من قبوركم هيّن عليه، ونحو الآية قوله:«قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها. أَوَّلَ مَرَّةٍ» .
ثم ذمهم على تزلزلهم وسوء اضطرابهم، فإذا أصابهم الخير فرحوا به، وإن أصابهم السوء يئسوا وأبلسوا، وانقطع رجاؤهم من الخير، فقال:
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) أي ولئن أرسلنا ريحا حارة أو باردة على الزرع الذي زرعوه وبما واستوى على سوقه، فرأوه قد اصفر بعد خضرته ونضرته- لظلّوا من بعد ذلك الاستبشار والرجاء يجحدون نعم الله السابقة عليهم.
ولا يخفى ما فى ذلك من المبالغة فى احتقارهم لتزلزلهم فى عقيدتهم، إذ كان الواجب