يوم لا يقدر لا أرهبه ... ومن المقدور لا ينجى الحذر
(وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أي وإن نفعكم الفرار بأن دفع عنكم الموت فمتّعتم لم يكن ذلك التمتع إلا قليلا، فإن أيام الحياة وإن طالت قصيرة، فعمر تأكله الدقائق قليل وإن كثر، ولله درّ أحمد شوقى إذ يقول:
دقات قلب المرء قائلة له ... إن الحياة دقائق وثوانى
ولما كانوا ربما يقولون: بل ينفعنا لأنا طالما رأينا من هرب فسلم، ومن ثبت فاصطلم- أمره الله بالجواب عن هذا، فقال:
(قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) أي قل لهم: لا أحد يستطيع أن يمنع عنكم شرا من قتل أو بلاء قدره الله عليكم، أو يؤتيكم خيرا إن لم يكن أراده لكم.
والخلاصة: هل احترزتم فى جميع أعمالكم عن سوء فنفعكم الاحتراز، أو اجتهد غيركم فى منع الخير عنكم فتمّ له ما أراد؟.
وإجمال القول: إن النفع والضر بيده سبحانه، وليس لغيره فى ذلك تصريف ولا تبديل.
ثم أكد هذا بقوله:
(وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي ولا يجد هؤلاء المنافقون وليا ينفعهم غير الله، ولا نصيرا يدفع السوء عنهم.
وبعد أن أخبر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بمقالة المنافقين لأهل المدينة، وأمره بوعظهم- حذّرهم بدوام علمه بمن يخون الله ورسوله بقوله:
(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) أي إن ربك أيها الرسول ليعلم حق العلم من يثبّطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدونهم