روى ابن جرير عن أبى رزين قال:«لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقهن، فقلن: يا رسول الله اجعل لنا من مالك، ومن نفسك ما شئت، ودعنا كما نحن فنزلت هذه الآية، فأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهن، وآوى إليه بعضهن وكان ممن آوى إليه عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة، وكان يقسم بينهن سواء، وأرجأ منهن خمسا: أم حبيبة، وميمونة، وسودة، وصفية، وجويرية، فكان لا يقسم بينهن ما شاء» .
ثم بين السبب فى الإيواء والإرجاء، وأنه كان ذلك فى مصلحتهن، فقال:
(ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) أي إنهن إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج فى القسم، فإن شئت قسمت، وإن شئت لم تقسم لا جناح عليك فى أىّ ذلك فعلت، وأنت مع هذا تقسم لهن اختيارا منك لا وجوبا عليك- فرحن بذلك، واستبشرن به، واعترفن بمنتك عليهن فى قسمك لهن، وتسويتك بينهن، وإنصافك لهن، وعدلك بينهن.
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) من الميل إلى بعضهن دون بعض مما لا يمكن دفعه، ومن الرضا بما دبر له فى حقهن من تفويض الأمر إليه صلى الله عليه وسلم.
روى أحمد عن عبد الله بن يزيد عن عائشة قالت: كان رسول الله يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول:«اللهم هذا فعلى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك»
يعنى القلب، وزيادة الحب لبعض دون بعض.
وفى هذا حث على تحسين ما فى القلوب، ووعيد لمن لم يرض منهن بما دبر الله له من ذلك، وفوضه إلى مشيئته، وبعث على تواطؤ قلوبهن، والتصافي بينهن، والتوافق على رضا رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
(وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) أي وكان الله عليما بالسرائر، حليما فلا يعاجل أهل الذنوب بالعقوبة، ليتوب منهم من شاء له أن يتوب، وينيب من ذنوبه من ينيب.