أو طلقها قبل الدخول بها، فلا تحل له إلا بعقد جديد بإذنها، فإن طلقها ثلاثا فلا تحل له ما لم تتزوّج زوجا غيره ويصبها.
والحكمة في إثبات حق الرجعة- أن الإنسان لا يحس بخطر النعمة وجليل قدرها إلا إذا فقدها، وربما ظهرت المحبة للمرأة بعد فراقها، أو استبانت له الحاجة إليها وعظمت المشقة عليه في تركها والبعد عنها، ويندم على ما فرط منه في شأنها- وقد تكون المرأة سادرة في كبريائها وخيلائها، ولا تؤدى ما ينبغى للرجل من الحقوق والواجبات، فإذا هى طلقت تذكرت مصار خطئها، وأحست بما كان فيها من عيوب في المعاملات الزوجية والشؤون المنزلية، وتمنت أن لو كانت لها عودة تمكنها من إصلاح ما سلف منها- فإذا أبيح لها العودة إلى الحياة الزوجية كان في هذا فرصة في استدراك ما فات، والعمل على الطريق السوىّ فيما هو آت وقد يحدث أحيانا أن يرجع الرجل سيرته الأولى من المشاكسة والمغاضبة وسوء الخلق، أو يحدث من الزوجة ما يدعو إلى الفراق ثانية فيطلقها حين حدة الغضب مرة أخرى، ثم يرى أنه كان بما عمل في غواية وضلالة، وأنه لا يطيق البقاء بعيدا عنها، إذ أن أولاده لا تستقيم شئونهم إلا بوجودها فأبيح له العودة مرة أخرى، فإذا هو عاد الثالثة استبان أن رباط الزوجية قد وهن، وأن العشرة أصبحت في خطر، وأن بقاءهما زوجين ربما جرّ إلى ما لا تحمد عقباه من الإساءة إليها في نفسها أو في مالها أو في عرضها، فيجدر أن يكون الفراق لا رجعة بعده، مع أدائه ما لها عليه من حقوق مالية، وفاء بحقوق العشرة السالفة التي كانت فيها المودة والرحمة بينهما، حين كان يسكن إليها وتسكن إليه، ومن ثم ينبغى له ألا يذكرها بسوء في نفسها أو في عرضها وعفتها حتى لا ينفر الناس منها إذا هى أرادت أن تتزوج بسواه، وفي هذا منتهى المروءة والوفاء لذلك الرباط الوثيق الذي كان بينهما، وحل الزوج وثاقه بطلاقها.
وفي هذا التشريع بذلك التدريج منتهي الرأفة والسجاحة في تلك الشئون الاجتماعية التي يترتب عليها صلاح الأسرة وحسن تهذيب الأولاد، وتثقيف عقولهم والحدب عليهم