(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي ولقد كان لهم فيمن قبلهم من الأمم البائدة والقرون الخالية كقوم نوخ وعاد وثمود، وقد بلغوا من القوة والبأس ما لم يبلغوا معشاره، فكذبوا رسلى حين أرسلوا إليهم فخل بهم النكال والوبال ودمّروا تدميرا، ولم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، وإنهم ليشاهدون آثارهم في حلهم وترحالهم، فى غدوّهم ورواحهم كما قال في آية أخرى:«وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ»
فليحذروا أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك.
والخلاصة- إن فيما حل بمن قبلهم من المثلاث نكالا لهم على تكذيبهم رسلهم- لعبرة لهم لو كانوا يعقلون.
ثم أطال لهم الحبل ومدّ لهم الباع وأنصفهم في الخصومة فقال:
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) أي قل لهم: إنى أرشدكم أيها القوم وأنصح لكم ألا تبادروا بالتكذيب عنادا واستكبارا، بل اتئدوا وتفكروا مليا فيما دعوتكم إليه وجدّوا واجتهدوا في طلب الحق خالصا، إما واحدا فواحدا، وإما اثنين اثنين لعلكم تصلون إلى الحق وتهتدون إلى قصد السبيل، وتكونون قد أنصفتم الحقيقة، وأمطتم الحجب التي غشّت أبصاركم، ورانت على قلوبكم، فلم تجعل للحق منفذا.
وإنما طلب إليهم التفكر وهم متفرقون اثنين اثنين أو واحدا فواحدا، لأن فى الازدحام تهويش الخاطر والمنع من إطالة التفكير وتخليط الكلام وقلة الإنصاف، وفيما يشاهد كل يوم من الاضطراب وتبلبل الأفكار في الجماعات الكثيرة حين الجدل والخصومة ما يؤيد صدق هذا.
ثم أبان لهم أن نتيجة الفكر ستؤدى بهم إلى أن يعترفوا بما يرشد إليه النظر الصحيح