(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الخطاب في مثل هذا للأمة لأنها متكافلة في المصالح العامة، وأولو الأمر هم المطالبون أولا بالقيام بهذه المصالح، والحكام وسائر الناس رقباء عليهم، أي إذا خافا عدم إقامة حدود الله التي سنها للزوجين فلا إثم عليهما فيما تعطيه المرأة للرجل لتفتدى به نفسها وتطلق منه، ولا على الرجل في أخذه لأجل ذلك، لأنه برضاها واختيارها بدون إكراه منه ولا مضارة لها بل هى الحافزة عليه.
روى البخاري وابن ماجه والنسائي عن ابن عباس أن جميلة أخت عبد الله بن أبيّ ابن سلول زوج ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت ابن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكن لا أطيقه بغضا وأكره الكفر في الإسلام (تريد كفران نعمة العشير وخيانته) قال: أتردّين عليه حديقته؟ (وكان قد أصدقها إياها) قالت نعم: قال اقبل الحديقة وطلقها تطليقة.
وهذا الفراق الذي يبنى على الافتداء يسمى خلعا وعدّته كعدة المطلقة.
ثم ختم الآية بوعيد من يخالف هذه الأحكام فقال:
(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها) أي هذه الأوامر والنواهي المتقدمة هى الحدود التي حدها الله في المعاملات الزوجية، فلا تتجاوزوا ما أحله لكم إلى ما حرمه عليكم، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه.
(وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وفعل ما لا ينبغى فعله، والظلم مخرّب للعمران، مبيد للأمم، ولا سيما ظلم الأزواج للأزواج، إذ الرابطة التي بينهما أمتن الروابط وأحكمها، فأى رجاء في الأمة إذا انحلت فيها عرا تلك الرابطة، وهى أشد الروابط تماسكا.
وإنا لنشاهد الآن ما يدمى له القلب أسى وحسرة من انفصام روابط الزوجية بحال لم تعهد في أي عصر من عصور الإسلام، إذ هتك النساء حجاب الصيانة والحياء، وأسرفن في التبرّج والاختلاط بالرجال، وكثر الطلاق، وقلّ الزواج، وعمت الشكوى