(وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي وما ينالكم من العذاب إنما هو نتيجة ما قدمتم من عمل، وأسلفتم من معصية «وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» .
وبعد أن أبان حال المجرمين، ذكر حال عباد الله المؤمنين العالمين، وما يلاقونه من الجزاء والنعيم فقال:
(إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ. أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ. فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) أي لكن عباد الله الذين أخلصوا له العمل وأنابوا إليه، أولئك لهم جنات يتمتعون فيها بكل ما لذّ وطاب، فيمتعون بلذيذ الفواكه ذات الطعم الجميل والرائحة الشذيّة، وتأتيهم وهم مكرمون كما تقدّم للملوك المترفين وذوى اليسار في الدنيا.
وفي ذلك إيماء إلى أن ما يأكلونه في الجنة إنما هو للتفكه والتلذذ لا للقوت، لأنهم فى غنى عنه، لعدم تحلل شىء من أجسامهم بالحرارة الغريزية حتى يحتاجوا إلى بدل منه.
وما جاء في قوله:«وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ» فهو بيان لأنواع ما يأكلون.
ثم بين المكان الذي يأتيهم فيه الرزق وذكر حالهم إذ ذاك فقال:
(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) أي إنهم يأتيهم ذلك الرزق وهم في جنات النعيم جالسين على سرر متقابلين، ليأنس بعضهم ببعض، ويتمتعوا بطيب الحديث وفي ذلك لذة روحية لا يدركها إلا ذوو النّهى وأرباب الحجا.
وبعد أن ذكر صفة المأكل والمسكن ذكر وصف الشراب فقال:
(يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أي وكما يتمتعون بطيب المأكل يتمتعون بجيد الشراب تتميما للنعمة كما هو حال العظماء في الدنيا، فيؤتى لهم بصنوف الخمور على سبيل السعة والكثرة، كأنها تؤخذ من نهر جار فلا تقتير ولا بخل، بل كلما طلبوا وجدوا، وفي ذلك إشارة إلى أنها رقيقة لطيفة، وأنها ليست كخمر الدنيا تداس بالأقدام كما قال شاعرهم: