أو يرجى فيه المسامحة بشفاعة إنسان، فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله إلى إرادتكم، واصبروا على عبادة آلهتكم.
ثم ذكروا أيضا ما ظنوا أن فيه إبطالا لدعواه فقالوا:
(٢)(ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) أي ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الآخرة وهى ملة النصارى، فإنهم يقولون بالتثليث ويزعمون أنه الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام وحاشاه، وإنما خصوا النصرانية لأنها آخر الأديان المعروفة لديهم من أديان أهل الكتاب.
ثم أكدوا هذا الإنكار بقولهم.
(إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) أي ما هذا إلا افتراء وكذب لا حقيقة له، وليس له مستند من دين سماوى ولا من عقل فيما يزعمون.
ثم أخذوا ينكرون اختصاص محمد صلّى الله عليه وسلم بالوحى وهو مثلهم أو أدون منهم في الشرف والرياسة فيما يزعمون فقالوا:
(٣)(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟) أي إنه من البعيد أن يختص محمد من بيننا بإنزال القرآن عليه وفينا ذو الجاه والشرف، والرياسة والكياسة كما حكى الله عنهم أنهم قالوا:«لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» ثم نعى عليهم تعرّضهم لهذا التفضيل وإعطاء النبوة لمن يريدون فقال: «أهم يقسمون رحمة ربّك؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات» فهذا منهم دليل على الجهل وقلة العظة.
ثم ذكر أن سبب الاستبعاد هو الشك في أمر القرآن وميلهم إلى التقليد فقال:
(بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) أي بل هم في شك من تلك الدلائل التي لو تأملوا فيها لزال هذا الشك عنهم، إذ هى دالة بأنفسها على صحة نبوته، ولكنهم حين تركوا النظر والاستدلال لم يصلوا إلى الحق في أمره.