للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتذكرة لأولى العقول السليمة، لنعتبر ونعلم أن رحمة الله قريب من المحسنين، وأن مع العسر يسرا، وأن الإنسان لا يقنط من الفرج بعد الشدة:

عسى فرج يأتى به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر

ولم يذكر لنا الكتاب الكريم ماذا كانت حاله في ماله، فنمسك عن الكلام كما أمسك.

ثم ذكر أنه رخص له سبحانه في تحلة يمينه فقال:

(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) أي وخذ حزمة صغيرة من ريحان أو كلأ فاضرب بها، فيكون ذلك تحلة ليمينك التي حلفتها، والكتاب لم يبين لنا علام حلف؟ وعلى من حلف؟ ويذكر الرواة أنه حلف على زوجه رحمة بنت إفرائيم، وقد كانت ذهبت لحاجة فأبطأت، فحلف ليضربنها إن برىء مائة ضربة، فرخص له ربه أن يأخذ حزمة صغيرة ويضربها بها، وبذا يتحقق البر في يمينه رحمة به وبها، لحسن خدمتها له وقيامها بواجباته المنزلية أثناء مرضه.

وفي هذا مخرج وفرج لمن اتقى الله وأناب إليه، ولهذا قال عز اسمه:

(إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً، نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي إنا وجدنا أيوب صابرا على ما أصابه فى النفس والأهل والمال من أذى، فجازيناه بما فرّج كربته، وأذهب لوعته، وليس فى الشكوى إلى الله إخلال بالصبر، وليس فيه شىء من الجزع، فهو كتمنى العافية وطلب الشفاء.

وقد روى أنه كان يقول كلما أصابته مصيبة: اللهم أنت أخذت، وأنت أعطيت، وكان يقول في مناجاته: إلهى قد علمت أنه لم يخالف لسانى قلبى، ولم يتبع قلبى بصرى، ولم يلهنى ما ملكت يمينى، ولم آكل إلا ومعى يتيم، ولم أبت شبعان ولا كاسيا ومعى جائع أو عريان.

<<  <  ج: ص:  >  >>