ومن حديث عبادتهم للأصنام أنهم جعلوا تماثيل للكواكب، والملائكة، والأنبياء، والصالحين الذين مضوا، وعبدوها باعتبار أنها رمز إليها، وقالوا إن الإله الأعظم أجلّ من أن يعبده البشر مباشرة، فنحن نعبد هذه الآلهة وهى تعبد الإله الأعظم.
وهذه شبهة تمسك بها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءت الرسل مفندة لها ماحية لها من الأذهان العالقة بها، موجهة العقول إلى إفراد الله وحده بالعبادة كما قال:«وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» وقال:
قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم من ربكم ومن خالقكم ومن خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء؟ قالوا الله. فيقال لهم فلم تعبدونهم؟ قالوا ليقربونا إلى الله زلفى ويشفعوا لنا عنده، فرد الله عليهم بقوله:«فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ» .
ثم هددهم وبيّن لهم عاقبة ما يفعلون فقال:
(إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي إن الله يحكم بينهم وبين خصومهم وهم المحقون فيما اختلفوا فيه من التوحيد والإشراك يوم القيامة، ويجازى كلا بما هو أهل له، فيدخل المخلصين الموحدين الجنة، ويدخل المشركين النار.
ثم بين نتيجة الحكم قال:
(إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) أي إن الله لا يرشد إلى الحق ولا يوفق له من هو كاذب مفتر عليه، بزعمه أن له ولدا وأن له ندّا وأن الأوثان تشفع لديه إلى غير ذلك من الترّهات والأباطيل التي لا يقبلها العقل، ولا تجد لها مستندا من نقل.
ثم فصّل ما كذبوا فيه فقال:
(لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي لو أراد الله أن يتخذ ولدا- ولا ينبغى له ذلك- لما رضى إلا بأكمل الأولاد وهم الأبناء، فكيف نسبتم إليه البنات؟