نفسه وتحبيبها إلى صالح العمل، فلا مضل له يصرفه عن مقصده أو يصيبه بسوء يغيّر سلوكه إذ لا رادّ لفعله، ولا معارض لإرادته، وإلى ذلك أشار بقوله:
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ) أي الله عزيز لا يغالب، ومنيع لا ينازع ولا يمانع، وذو انتقام من أعدائه لأوليائه، فهو الذي لا يضام من استند إلى جنابه، أو لجأ إلى بابه.
ثم أقام الدليل على غفلتهم وشديد جهلهم في عبادتهم للأصنام والأوثان مع تفرده تعالى بالخالقية لكل شىء وعدم خلقها شيئا فقال:
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) أي إن هؤلاء المشركين يقرون بوجود الإله العالم الحكيم لوجود الدليل، ووضوح السبيل الذي لا يمكن إنكاره، فإذا هم سئلوا اعترفوا به، وإذا كان كذلك فكيف ساغ لهم عبادة غير الخالق أو تشريك مخلوق مع خالقه في العبادة؟ وقد كانوا يذكرون بحسن العقول وكمال الفطنة، ولكنهم لما قلدوا أسلافهم، وأحسنوا الظن بهم، هجروا ما يقتضيه العقل، وعملوا بما هو محض الجهل.
ثم أمر سبحانه رسوله أن يبكتهم ويوبخهم بعد هذا الاعتراف فقال:
(قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ؟) أي أخبرونى عن آلهتكم هذه، هل تقدر على كشف ما أراده الله بي من الضر أو منع ما أراده لى من الخير؟ وإذا لم تكن لها قدرة على شىء فلا ينبغى التعويل عليها ولا الكدّ في عبادتها، بل نعبد الإله القادر الذي تكون عبادته كافية جلب السراء ودفع الضراء.
قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية سألهم النبي صلّى الله عليه وسلم فسكتوا. وقال غيره: قالوا لا تدفع شيئا من قدر الله ولكنها تشفع فنزل قوله:
(قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ) فى جميع أمورى من جلب نفع أو دفع ضر، فلا أخاف شيئا من أصنامكم التي تخوفوننى بها.