وروى أحمد أيضا عن عمرو بن عنبسة رضى الله عنه قال:«جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم شيخ كبير يتوكأ على عصا له فقال: يا رسول الله إن لى غدرات وفجرات، فهل يغفر لى؟ قال صلّى الله عليه وسلم: ألست تشهد أن لا إله إلا الله؟ قال بلى وأشهد أنك رسول الله، فقال صلّى الله عليه وسلم: قد غفر لك غدراتك وفجراتك» .
فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة والإخلاص فى العمل، ولا يقنطنّ عبد من رحمة الله، فإن باب الرحمة واسع كما قال:«أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ» وقال: «وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً» .
وروى الطبراني من طريق الشعبي عن سنيد بن شكل أنه قال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أعظم آية في كتاب الله «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ» وإن أكثر آية فى القرآن فرجا في سورة الغرف «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» وإن أشد آية في كتاب الله تفويضا «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» فقال له مسروق: صدقت.
وبعد أن نهاهم عن القنوط أخبرهم بما يدفع ذلك ويرفعه، فيحل الرجاء مكانه.
وجاء بما لا يبقى بعده شك ولا يخالج القلب عند سماعه ظن فقال:
(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) أي إن الله يغفر كل ذنب، كائنا ما كان إلا ما أخرجه النص القرآنى، وهو الشرك بقوله:«إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» .
فيا لها من بشارة ترتاح لها قلوب المؤمنين المحسنين ظنهم بربهم، الصادقين في رجائه، الخالعين ثياب القنوط، البعيدين عن سوء الظن بمن لا يتعاظمه ذنب، ولا يبخل