ولا عقاب على شىء من الآثام التي يقترفها الإنسان فى دنياه، ويجترمها مدى حياته الدنيوية.
وما نتج هذا إلا من شدة رغبته فى الدنيا، وعظيم نفرته من الآخرة، فهو حين ينظر إلى أحوال الدنيا يقول: إنها لى وأنا جدير بها، لما لى من فضل به استحققتها، وحين ينظر إلى أحوال الآخرة يقول: وما أظن الساعة قائمة.
(٣)(وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) أي وإن الغالب على ظنى أن لا رجعة ولا بعث ولا قيامة، ولئن كان البعث حقا فإن لى عنده لكرامة فى الآخرة، فإن حالها كحال الدنيا، فما استحققته من النعيم فيها سيكون لى مثله فى الآخرة.
وبعد أن حكى عنهم هذه الأقوال ذكر أنه سيظهر لهم أن الأمر بعكس ما يظنون، وبضد ما يعتقدون فقال:
(فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي فلنخبرن هؤلاء الكافرين يوم يرجعون إلينا بما عملوا من المعاصي، واجترحوا من الآثام، وما دسّوا به أنفسهم من الخطايا، ثم لنجازينّهم عليها، فيستبين لهم أنهم جديرون بالإهانة والاحتقار لا بالكرامة والإحسان، ولنذيقنهم عذابا غليظا لا يمكنهم الفكاك منه وهو عذاب جهنم التي لا موت فيها ولا يجدون عنها حولا.
وبعد أن حكى أقوال الذي أنعم عليه بعد وقوعه فى الجهد الجهيد- حكى أفعاله فقال:
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) أي وإذا نحن أنعمنا عليه فكشفنا عنه المرض ووهبنا له الصحة والعافية ورزقناه سعة العيش- أعرض عما دعوناه إليه من طاعتنا، واستكبر عن الانقياد لأمرنا.
ثم ذكر أنه حين الضراء يكون على عكس هذا فيتضرع ويبتهل إلى ربه فقال:
(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) أي وإذا أصابته شدة من فقر ومرض ونحوهما