يفعل كذا إلا في الأمر العظيم الذي يندر أن يقدم عليه أحد، لأنه عظيم أو شاقّ قلّ من يتصدى له كما جاء في قوله:«مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ» وقوله:
والقرض الحسن هو ما حل محله ووافق المصلحة، لا ما قصد به الرياء والسمعة، نعم إن ما أنفق في المصالح العامة حسن وإن أريد به الشهرة، لكنه لا يدل على ثقة المنفق بربه، وابتغائه مرضاته، ولا على حبه للخير لذاته، فلا يكون له حظ من نفقته يقرّبه إلى ربه.
والخلاصة- إنه لا يكون القرض حسنا إلا إذا وضع موضعه، مع البصر بوجه الحاجة وحسن النية، ليكون فيه منفعة للمسلمين من الطريق الذي شرعه الإسلام (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) الأضعاف واحدها ضعف، وهو مثل الشيء في المقدار يزاد عليه، وقد عبر عن البذل في سبيله ابتغاء مرضاته بالقرض الحسن، وهذا يقتضى أنه لا يضيع منه شىء عند الله، ثم عبر ثانيا بالجزاء عليه أضعافا مضاعفة، زيادة فى الترغيب والحث عليه.
وهذه الأضعاف الكثيرة التي جاء في بعض الآيات أنها تبلغ سبعمائة ضعف (والمراد من ذلك) تكون في الدنيا والآخرة.
ذاك أن المنفق لإعلاء كلمة الله، ولتعزيز الأمة، والدفاع عن الحق، إنما يدافع عن نفسه، ويحفظ حقوقها، فضعف الأمة وضياع حقوقها لا يكون إلا بما يقع على أفرادها من البلاء والعسف والظلم- إلى أن بذل الأغنياء لأموالهم، وقيامهم بفريضة التعاون، وكفالة الغنى للفقير، وحماية القوىّ للضعيف- مما يوسع المرافق على الأمة ويوفر لها السعادة ويديم لأفرادها النعمة، ما بقوا على هذه السنة، واستقاموا على هذا النهج القويم ثم هم بذلك يستحقون سعادة الآخرة ومضاعفة الثواب، ورضوان الله «ورضوان من الله أكبر» .