وقصارى ذلك- إن كل جناية على النفس أو المال تقابل بمثلها قصاصا، لأن إهدارها يوجب فتح باب الشرور والمفاسد، إذ فى طبع الإنسان الظلم والبغي والعدوان، فإذا لم يزدجر عنه تمادى فيه ولم يتركه، والزيادة على قدر الذنب ظلم، والشرائع تتنزه عن ذلك، ومن ثم شرع الله القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو فقال:
(فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أي فمن عفا عن المسيء وأصلح ما بينه وبين من يعاديه بالعفو والإغضاء عما صدر منه، فأجره على الله، فيجزيه أعظم الجزاء.
وفى إبهام الأجر وجعله حقا على العظيم الكريم جل شأنه زيادة فى الترغيب فى العفو والحثّ عليه.
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادى: ألا ليقم من كان له على الله أجر فلا يقوم إلا من عفا فى الدنيا وذلك قوله: (فَمَنْ عَفا) الآية» .
ثم ذكر سبحانه خروج الظلمة عن محبته التي هى سبب الفوز والنجاة فقال:
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي إنه تعالى لا يحب المتجاوزين الحد فى الانتقام، وفى هذا تصريح بما تضمنه سالف الكلام من حسن رعاية طريق المماثلة وأنها قلّما تخلو من الاعتداء والتجاوز عن الواجب، ولا سيما حال الحرد والتهاب الحميّة، وحينئذ يدخل المنتقمون فى زمرة من لا يحبهم الله.
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) أي والله لمن انتصر ممن ظلمه بعد ظلمه إياه، فأولئك المنتصرون لا سبيل للمنتصر منهم أن يوجهو إليهم عقوبة ولا أذى لأنهم انتصروا منهم بحق، ومن أخذ حقه ممن وجب له عليه ولم يتعدّ- لم يظلم فلا سبيل لأحد عليه.