لا نفعل ذلك رحمة بكم، وقد كانت حالكم تدعو إلى تخليتكم وما تريدون حتى تموتوا على الضلال.
قال قتادة: لو أن هذا القرآن قد رفع حين ردّته أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليها ودعاهم إليه عشرين سنة أو ما شاء الله اه.
أراد أنه تعالى من رحمته ولطفه بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير وإلى الذكر الحكيم وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل يأمر به ليهتدى من قدّر له الهداية، وتقوم الحجة على من كتب له الشقاوة.
ثم قال مسلّيا رسوله صلّى الله عليه وسلّم على تكذيب قومه، آمرا له بالصبر، مهدّد للمشركين، منذرا لهم بشديد العقاب.
(وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ. وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي وكثيرا ما أرسلنا فى الأمم الغابرة رسلا قبلك كما أرسلناك إلى قومك من قريش، وكلما أتى نبى أمته يدعوهم إلى الهدى وطريق الحق استهزءوا به وسخروا منه كما يفعل قومك بك- فقومك ليسوا ببدع فى الأمم، ولا أنت ببدع فى الرسل، فلا تأس على ما تجد منهم ولا يشقنّ ذلك عليك، فهم قد سلكوا سبيل من قبلهم، واحتذوا حذوهم، ونهجوا نهجهم حذو القذّة بالقذة وكن كما كان أولوا العزم من الرسل، واصبر كما صبروا على ما أوذوا فى سبيل الله.
ثم ذكر عقبى تكذيبهم واستهزائهم برسله تسلية لرسوله وتحذيرا لهم فقال:
(فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أي فأهلكنا المكذبين بالرسل ولم يقدروا على دفع بأسنا إذ أتاهم، وقد كانوا أشد بطشا من قومك وأشد قوة، فأحر بهؤلاء ألا يعجزونا.