وبعد أن أيأسه من إيمانهم سلاه بالانتقام منهم لأجله إما حال حياته أو بعد مماته فقال:
(فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ. أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) أي فإن نذهب بك أيها الرسول من بين أظهر المشركين بموت أو غيره فإنا منهم منتقمون كما فعلنا ذلك بغيرهم من الأمم المكذبة لرسلها، أو نرينك الذي وعدناك من الظفر بهم وإعلائك عليهم فإنا عليهم مقتدرون، فنظهرك عليهم ونخزيهم بيديك وأيدى المؤمنين.
وفى التعبير بالوعد وهو سبحانه لا يخالف الميعاد- إشارة إلى أن ذلك سيقع حتما وهكذا كان، فإنه لم يقبض رسوله حتى أقر عينيه من أعدائه، وحكّمه فى نواصيهم، وملّكه ما تضمنته صياصيهم، قاله السدى واختاره ابن جرير.
ثم أمر رسوله أن يستمسك بما أوحى به إليه فيعمل به فقال:
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي فخذ بالقرآن المنزل على قلبك، فإنه هو الحق المفضى إلى الصراط المستقيم، والموصل إلى جنات النعيم، والخير الدائم المقيم.
ثم ذكر ما يستحثه على التمسك به فقال:
(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي وإن القرآن لشرف عظيم لك ولقومك، لأنه نزل بلغتهم على رجل منهم، فهم أفهم الناس له، فينبغى أن يكونوا أسبق الناس إلى العمل به.
أخرج الطبراني وابن مردويه عن عدى بن حاتم قال:«كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: ألا إن الله تعالى علم ما فى قلبى من حبى لقومى فبشرنى فيهم فقال سبحانه: وإنّه لذكر لك ولقومك» الآية. فجعل الذكر والشرف لقومى- إلى أن قال- فالحمد لله الذي جعل الصدّيق من قومى والشهيد من قومى،