شريف يسهل على عظماء الناس أن يخضعوا له، وأن يكون ذا مال كثير يدبر به الملك ولا يأبهون بمعارفه وصفاته الذاتية وفضائله وأخلاقه.
من أجل هذا بيّن الله فيما حكاه عن نبيه خطأ هؤلاء القوم في زعمهم أن الملك لا يستحق إلا بالنسب وسعة المال فقال:
(قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) أي قال لهم نبيهم: إن الله اختاره ملكا عليكم لما فيه من المزايا الآتية:
(١) الاستعداد الفطري وهو في المنزلة الأولى من الأهمية، ومن ثم قدمه.
(٢) السعة في العلم الذي يكون به التدبير، ومعرفة مواطن ضعف الأمة وقوتها وجودة الفكر في تدبير شئونها.
(٣) بسطة الجسم وكمال قواه المستلزمة لصحة الفكر، فقد جاء في أمثالهم:
العقل السليم في الجسم السليم. وللشجاعة والقدرة على المدافعة والهيبة والوقار.
(٤) توفيق الله تعالى له بتسخير الأسباب التي لا عمل له فيها، وهذا ما عناه سبحانه بقوله:«وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ» .
أما المال فليس بلازم في تأسيس الملك، لأنه متى وجدت الأسباب سهل على صاحبها إيجاد المال اللازم لتدبير الملك، فكم في الناس من أسس دولة وهو فقير أمي وكان استعداده ومعرفته بحال الأمة التي سادها كافيا في الاستيلاء عليها، واستعانته بأهل العلم والشجاعة كافيا في تمكين سلطته فيها.
(وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي والله واسع التصرف والقدرة، إذا شاء أمرا اقتضته حكمته فى نظام الخليقة فإنه يقع لا محالة، عليم بوجوه الحكمة، فهو يضع لهم من السنن والنظم ما هو في منتهى الإبداع والإتقان، وليس في الإمكان أبدع مما كان.