إذا أرسلنا رسولا فى أمر هامّ يحتاج إلى دفاع، وفيه خصام ونزاع- وهو بهذا أوهم قومه أن الرسل لا بد أن يكونوا على هيئة الجبابرة، أو يكونوا محفوفين بالملائكة.
ثم ذكر أن هذه الخدع قد انطلت عليهم، وسحرت ألبابهم، لغفلتهم وضعف عقولهم، فاعترفوا بربوبيته، وكذبوا بنبوة موسى فقال:
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي فاستخف أحلامهم بقوله وكيده، وبما أبداه من عظمة الملك والرياسة، وجعلها مناطا للعلم والنبوة، وأنه لو كانت هناك نبوة لكان أولى بها، فأطاعوه فيما أمرهم، لأنهم كانوا قوما ذوى ضلال وغىّ ومن ثم أسرعوا إلى تلبية دعوة ذلك الفاسق الغوىّ.
ثم ذكر جزاءهم على ما اجترحوا من تكذيب رسوله على وضوح الدليل وظهور الحق فقال:
(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) أي فلما أغضبونا بعنادهم وعظيم استكبارهم وبغيهم فى الأرض- انتقمنا منهم بعاجل عذابنا، فأغرقناهم جميعا.
وإنما أهلكوا بالغرق ليكون هلاكهم بما تعززوا به وهو الماء فى قوله:«وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي» :
وفى هذا إشارة إلى أن من تعزز بشىء دون الله أهلكه الله به.
أخرج أحمد والطبراني والبيهقي فى الشعب وابن أبى حاتم عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا رأيت الله يعطى العبد ما شاء وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك استدراج منه له، وقرأ:(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) » .
(فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) أي فجعلناهم قدوة لمن يعمل عملهم من أهل الضلال ككفار قومك.
(وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ) أي وعبرة وموعظة لمن يأتى بعدهم من الكافرين.