قبورهم ومجازاته إياهم بأعمالهم: أفّ لكما: إنى لضجر منكما، أتقولان إنى أبعث من قبرى حيا بعد موتى وفنائى، وما لحقنى من بلى وتفتت عظام؟ إن هذا لعجب عاجب فها هى ذى قرون مضت، وأمم قد خلت من قبلى كعاد وثمود ولم يبعث منهم أحد، ولو كنت مبعوثا بعد وفاتي كما تقولان لبعث من قبلى من القرون الغابرة ألا ترى إلى قول من قال:
ما جاءنا أحد يخبّر أنه ... فى جنة لمّا مضى أو نار
وزعم مروان بن الحكم أنها نزلت فى عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، وقد ردت عليه عائشة رضى الله عنها. أخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن عبد الله قال: إنى لفى المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله قد رأى لأمير المؤمنين (يعنى معاوية) فى يزيد رأيا حسنا أن يستخلفه، فقد استخلف أبوبكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبى بكر: سنة هرقل وقيصر «١» إن أبا بكر رضى الله عنه ما جعلها فى أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده، فقال مروان: ألست «الّذى قال لوالديه أفّ لكما» فقال عبد الرحمن: ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أباك، فسمعت عائشة فقالت لمروان: أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا، كذبت والله ما فيه نزلت، نزلت فى فلان بن فلان.
والحق أن الآية لم ترد فى شخص معين، بل المراد كل شخص يقول أمثال هذه المقالة فيدعوه أبواه إلى الإيمان بالبعث وإلى الدين الصحيح فيأبى وينكر.
(وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) أي ووالداه يستصرخان الله عليه، ويستغيثانه أن يوفقه إلى الإيمان بالبعث، ويقولان له حثا وتحريضا: هلاكا لك، صدّق بوعد الله، وأنك مبعوث بعد وفاتك، إن وعد الله الذي وعده خلقه أنه باعثهم من قبورهم ومخرجهم منها إلى موقف الحساب لمجازاتهم حق لا شك فيه.
(١) يريد أن البيعة لأولاد الملوك ستة ملوك الروم، وهرقل: اسم ملك الروم.