من كذب رسله ويحل بهم الوبال والنكال كما شاهدوا ذلك فيمن حولهم من الأمم التي أهلكها الله لتكذيبها رسلها، ولم يبق منها إلا آثارها، ولم يفدهم كل ذلك شيئا ولم يتعظوا ولم يؤمنوا- فماذا ينتظرون للعظة والاعتبار؟ لا ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة بغتة إذ جاءت علامتها، ولم يبق من الأمور الموجبة للتذكر والعظة للإيمان بالله سوى ذلك.
والخلاصة- إن البراهين قد نصبت، والأدلة قد وضحت على وجوب الإيمان بالله، وصدق رسوله، والبعث والنشور، وهم لم يؤمنوا- فلا يتوقع منهم إيمان بعدئذ إلا حين مجىء الساعة بغتة، وهاهى ذى أشراطها قد ظهرت، ومقدماتها قد بدأت، ولم يأبهوا بها، ولا فكروا فى أمرها، والمراد بيان أنهم بلغوا الغاية فى العناد، والنهاية فى الاستكبار.
ثم أظهر خطأهم، وحكم بأن رأيهم آفن فى تأخيرهم التذكر إلى قيام الساعة، ببيان أن التذكر لا يجدى نفعا حينئذ فقال:
(فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ؟) أي فمن أين لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة؟
فإن الذكرى لا تنفع حينئذ، ولا تقبل التوبة، ولا ينفع الإيمان.
وبعد أن أبان أن الذكرى لا تنفع إذا انقضت هذه الدار التي جعلت للعمل- أمر رسوله بالثبات على ما هو عليه، والاستغفار لأتباعه، فقال:
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي إذا علمت سعادة المؤمنين وعذاب الكافرين، فاستمسك بما أنت عليه من موجبات السعادة، واستكمل حظوظ نفسك بالاستغفار من ذنبك (وذنوب الأنبياء أن يتركوا ما هو الأولى بمنصبهم الجليل) وتوجّه بالدعاء والاستغفار لأتباعك من المؤمنين والمؤمنات.
وفى الحديث الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهم