وقصد السبيل، فعرفوا واضح الحجج، ثم آثروا الضلال على الهدى عنادا لأمر الله- الشيطان زين لهم ذلك وخدعهم بالآمال، وحسّن لهم ما فى الدنيا من لذة يتمتعون بها إلى حين، ثم يعودون كما كانوا مؤمنين، إلى نحو ذلك من وساوسه التي لا تدخل تحت الحصر، ولا يبلغها العدّ.
ثم ذكر كيف إنهم ضلوا فقال:
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) أي ذلك الضلال من قبل أنهم مالئوا اليهود من بنى قريظة والنضير وناصحوهم سرا على المؤمنين كما هو شأن المنافقين فى كل زمان، والله يعلم ما يسرون وما يخفون، وهو مطلع عليهم وعالم بهم.
ولا يخفى ما فى ذلك من الوعيد وشديد التهديد.
ونحو الآية قوله:«وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ» .
ثم ذكر أن هذه الحيل إن أجدت فى حياتهم فماذا هم فاعلون حين وفاتهم فقال:
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) أي فكيف يفعلون إذا جاءتهم ملائكة الموت لقبض أرواحهم على أقبح الوجوه وأفظعها، وقد مثل ذلك بحال يخافونها فى الدنيا، ويجبنون عن القتال من أجلها، وهو الضرب على الوجوه والأدبار، إذ فى يوم الوفاة لا نصرة لهم ولا مفرّ، فكيف يحترزون من الأذى، ويبتعدون من العذاب؟.
ثم بين سبب التوفى على تلك الحال الشنيعة فقال:
(ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) أي ذلك الهول الذي يرونه من أجل أنهم انهمكوا فى المعاصي، وزينت لهم الشهوات، وكرهوا ما يرضى الله من الإيمان به والعمل على طاعته والإخلاص له فى السر والعلن، فأحبط ما عملوه من البر والخير، كالصدقات، والأخذ بيد الضعيف، ومساعدة البائس الفقير،