ثم نهاهم عن أن يبطلوا أعمالهم كما أبطل الكفار أعمالهم فقال:
(وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) أي ولا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي قاله الحسن، وقال الزهري بالكبائر. وقال مقاتل بالمنّ والأذى وقال عطاء بالنفاق والشرك والأولى أن يراد به النهى عن كل سبب من الأسباب التي تكون سببا فى إبطال الأعمال كائنا ما كان بلا تخصيص بنوع معين.
وعن أبى العالية قال: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت هذه الآية، فخافوا أن يبطل الذنب العمل وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال: كنا معشر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نرى أنه ليس شىء من الحسنات إلا مقبولا حتى نزلت: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا الكبائر الموجبات والفواحش، فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها، قلنا قد هلك حتى نزل «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» فكففنا عن القول فى ذلك، وكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه، وإن لم يصب منها رجونا له.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه قال فى الآية: من استطاع منكم ألا يبطل عملا صالحا بعمل سوء فليفعل ولا قوة إلا بالله تعالى.
ثم بين سبحانه أنه لا يغفر للمصرّين على الكفر والصدّ عن سبيل الله فقال:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) أي إن الذين جحدوا توحيد الله وصدوا من أراد الإيمان بالله ورسوله عن ذلك، وحالوا بينهم وبين ما أرادوه، ثم ماتوا وهم على كفرهم فلن يعفو الله سبحانه عما صنعوا، بل يعاقبهم ويفضحهم به على رءوس الأشهاد.