وقال أبو قلابة: حدّث عمر بن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له فى بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن: إن هذا لا يحل لك، قد نهاك الله عن التجسس. فخرج عمر وتركه.
(وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي ولا يذكر بعضكم بعضا بما يكره فى غيبته، والمراد بالذكر الذكر صريحا أو إشارة أو نحو ذلك مما يؤدى مؤدى النطق، لما فى ذلك من أذى المغتاب، وإيغار الصدور وتفريق شمل الجماعات، فهى النار تشتعل فلا تبقى ولا تذر، والمراد بما يكره ما يكره فى دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجته أو خادمه أو ملبسه أو غير ذلك مما يتعلق به.
قال الحسن: الغيبة ثلاثة أوجه كلها فى كتاب الله: الغيبة، والإفك، والبهتان.
(١) فأما الغيبة: فهى أن تقول فى أخيك ما هو فيه.
(٢) وأما الإفك: فأن تقول فيه ما بلغك عنه.
(٣) وأما البهتان: فأن تقول فيه ما ليس فيه.
ولا خلاف بين العلماء فى أن الغيبة من الكبائر وأن على من اغتاب أحدا التوبة إلى الله أو الاستغفار لمن اغتابه أو الاستحلال منه.
وعن شعبة قال: قال لى معاوية بن قرّة: لو مرّ بك رجل أقطع (مقطوع اليد) فقلت هذا أقطع كان غيبة، قال شعبة فذكرته لأبى إسحاق فقال صدق.
ثم ضرب سبحانه مثلا للغيبة للتنفير والتحذير منها فقال:
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) أي أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته؟ فإذا كنتم لا تحبون ذلك بل تكرهونه لأن النفس تعافه، فكذلك فاكرهوا أن تغتابوه فى حياته.
والخلاصة- إنكم كما تكرهون ذلك طبعا فاكرهوا ذلك شرعا لما فيه من شديد العقوبة.