ذاك أنه إذا اضطرب حبل الأمن في الأمة، أو انتشر المرض في أبنائها، أو كثر الجهل في أفرادها، ولا سبيل لدرء هذا إلا ببذل المال- وجب على الأغنياء أن يبذلوه لدفع هذه المفاسد، وإزالة هذه الطوارئ لحفظ المصالح العامة.
وفي قوله «مِمَّا رَزَقْناكُمْ» حث على الإنفاق وإشعار بأنه لا يطلب منهم إلا بعض ما جعلهم مستخلفين فيه من رزقه ونعمه.
وقوله «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ... » إلى آخره أي من قبل أن يأتي يوم الحساب الذي لا يفدى فيه مقصّر بمال، ولا تنفع فيه الصداقة، ولا تجدى الشفاعة.
وخلاصة ذلك- إن الإنفاق في سبيل البر هو الذي ينجيكم في ذلك اليوم الذي لا ينجّى فيه الأشحة الباخلين من عذاب الله فداء يفتدون به أنفسهم، ولا خلة يحمل فيها الخليل شيئا من أوزار خليله، أو يهبه شيئا من حسناته، ولا شفاعة يؤثر بها الشفيع فيما أراده الله، فيحولها عن مجازاة الكافر بالنعمة الباخل بالصدقة، المستحق للمقت والعقوبة بما دنّس به نفسه في الدنيا ودسّاها به من المعاصي والآثام، ويجعله يترك عقوبته مرضاة له.
وفي الآية إيماء إلى أن أمور الآخرة لا تقاس على ما هو حاصل في الدنيا، فلا يظن امرؤ أنه ينجو فيها بفداء يفتدى به أو شفاعة تناله من النبيين والربانيين كما كانت فى الدنيا تناله من الأمراء والسلاطين، وإن كان في هذه الحياة فاسقا ظالما فاسد الأخلاق منّاعا للخير معتديا أثيما.
(وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي والتاركون للزكاة هم الذين ظلموا أنفسهم، إذ وضعوا المال في غير موضعه، وصرفوه في غير وجهه، وقد سماهم الله كافرين تغليظا وتهديدا كما قال في آخر آية الحج «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ» مكان