فانظر كيف يكون بعد تلك الكواكب التي تحتاج بسير النور إلى مليون سنة ونصف مليون ألا يدل هذا على أن ذلك الضوء محمول على شىء موجود وهو الأثير فلو أن طبقة من الطبقات لم يكن فيها الأثير لا نقطع سير النور إلى الأرض ولم نره.
وهذا ما يشير إليه الكتاب بقوله «وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ» فلو كان هناك فروج تتخلل السموات لا نقطع سير النور إلينا.
وآراء الجهلة فى كل أمة أن كل سماء منفصلة عن الأخرى وبينهما فضاء كما يظن لأول وهلة فيما بيننا وبين السماء، فجاء الكتاب الكريم وعكس هذه القضية وقال لا فروج فى السماء أي لا خلاء فى العالم.
(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي والأرض بسطناها وألقينا فيها جبالا ثوابت لئلا تميد وتضطرب، وأنبتنا فيها من كل صنف من صنوف النبات ما حسن منظره، وراق مخبره.
(تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي فعلنا ذلك لتبصرة العبد المنيب وادكاره فإن رفعنا السماء، أو زيناها بالكواكب فلاستبصاره، وإن بسطنا الأرض أو أرسيناها بالجبال أو أنبتنا النبات زينة للأرض فلاعتباره.
ثم شرع يبين كيفية ما ذكر من إنبات كل زوج بهيج فقال:
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) أي ونزلنا من السماء ماء كثير المنافع، إذ أنبتنا به جنات غناء، وحدائق فيحاء، وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالشعير والقمح وغيرهما.
(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ. رِزْقاً لِلْعِبادِ) أي وأنبتنا به النخل الطوال التي لها طلع منضود متراكم بعضه فوق بعض، لأقوات العباد وأرزاقهم.
عن قطبة قال:«سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقرأ فى الصبح ق فلما أتى على هذه الآية- والنّخل باسقات- فجعلت أقول ما بسوقها؟ قال طولها» أخرجه الحاكم وصححه وابن مردويه.