للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بين أنهم فى الجنة يتذاكر بعضهم مع بعض فى أحوال الدنيا فقال:

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أي أقبلوا يسأل بعضهم بعضا فى الجنة عن حاله وما كان فيه من تعب الدنيا وخوف العاقبة، ثم يحمدون الله الذي أذهب عنهم الحزن والخوف والهم وما كانوا فيه من الكدر والنكد لطلب المعاش وتحصيل الأرزاق وما وصلوا إليه، تلذذ بالنعمة واعترافا بها.

أخرج البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إذا دخل أهل الجنة الجنة، اشتاقوا إلى الإخوان، فيجىء سرير هذا حتى يحاذى سرير هذا فيتحدثان فيتكئ ذا ويتكئ ذا فيتحدثان بما كانوا فى الدنيا فيقول أحدهما لصاحبه يا فلان أتدرى أىّ يوم غفر الله لنا؟ اليوم الذي كنا فى موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا» .

ثم فصل ما يجيب به بعضهم بعضا فقال:

(قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ. فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) أي قالوا: إنا كنا فى دار الدنيا ونحن بين أهلها خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه، فتفضل علينا وأجارنا مما نخاف.

والمقصود إثبات خوفهم فى سائر الأوقات والأحوال بطريق الأولى، فإن وجودهم بين أهليهم مظنّة الأمن، فإذا خافوا فى تلك الحال فلأن يخافوا فى غيرها بالأولى.

روى أن عائشة قالت: «لو فتح الله على أهل الأرض من عذاب السموم قدر الأنملة لأحرقت الأرض ومن عليها» .

ثم تمموا العلة فى استحقاقهم للكرامة فى تلك الدار بقولهم:

(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) أي إنا كنا نعبده ونسأله أن يمنّ علينا بالمغفرة والرحمة، فاستجاب دعاءنا وأعطانا سؤلنا، لأنه هو المحسن الواسع الرحمة والفضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>