(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) أي وخلق الجن من النار الصافية المختلط بعضها ببعض، فمن لهب أصفر إلى أحمر إلى مشوب بالخضرة، فكما أن الإنسان من عناصر مختلفات، فالجانّ من أنواع من اللهب مختلطات.
ولقد أظهر الكشف الحديث أن الضوء مركب من ألوان سبعة، ولفظ (المارج) يشير إلى ذلك، وإلى أن اللهب مضطرب دائما.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) مما أفاض عليكما فى تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم.
روى نافع عن ابن عمر قال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ سورة الرحمن أو قرئت عنده فقال: مالى أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم؟ قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال ما أتيت على قول الله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إلا قالت الجن: لا بشىء من نعمة ربنا نكذب» .
ولما فرغ من إيضاح خلق الإنسان شرع يوضح خلق الشمس والقمر بحسبان قال:
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أي رب مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما، اللذين يترتب عليهما تقلب الفصول الأربعة، وتقلب الهواء وتنوعه، وما يلى ذلك من الأمطار والشجر والنبات والأنهار الجاريات.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى نعمة من هذه النعم تكذبان؟ أفتنكران الأمطار وفوائدها؟ أم تنكران ما لاختلاف الفصول من منافع، فبها تختلف صنوف المزروعات من صيفية إلى شتوية، أم تنكران ما لاختلاف الأجواء من مزايا فى تنظيم مزاج الإنسان والحيوان.
ولما ذكر نعمه التي تترى على عباده فى البر أعقبها بنعمه عليهم فى البحر فقال:
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) أي أرسل البحر الملح والبحر العذب متجاورين متلاقيين لا يبغى أحدهما على الآخر، فلا الملح يطغى على العذب فيجعله ملحا، ولا العذب يجعل البحر الملح مثله، فقد حجز بينهما ربهما بحاجز من