(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي أجبهم أيها الرسول الكريم قائلا لهم: إن الأولين الذين تستبعدون بعثهم أشد الاستبعاد، والآخرين الذين تظنون أن لن يبعثوا- ليجمعون فى صعيد واحد فى ذلك اليوم المعلوم، ولا شك أن اجتماع عدد لا يحصى كثرة أعجب من البعث نفسه.
ونحو الآية قوله فى سورة الصافات:«فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ» .
ثم بين ما يلقاه أولئك المكذبون من الجزاء فى مآكلهم ومشاربهم فقال:
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ. فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ. فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) أي أيها الذين ضللتم فأصررتم على الذنب العظيم، إذ لم توحّدوا الله ولم تفعلوا ما يوجب تعظيمه، ثم كذبتم رسله، فأنكرتم البعث والجزاء فى هذا اليوم- إنكم لآكلون من شجر الزقوم، فمالئون منها بطونكم، فشاربون بعد ذلك من ماء حارّ لغلبة العطش عليكم، ولكنه شرب لا يشفى الغليل، ومن ثم تشربون ولا ترتوون، فكأنكم الإبل التي أصيبت بداء الهيام، فلا يروى لها الماء غليلا.
وخلاصة ذلك- إنه لزيادة العذاب لا ترتوون من شرب هذا الماء المنتن الحار فلا تمسكوا عنه، بل يكون شربكم كشرب الإبل التي تشرب ولا تروى.
ثم بين أنه ليس هذا كل العذاب بل هو أوله وقطعة منه فقال:
(هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) أي هذا الزقوم المأكول، والحميم المشروب، أول الضيافة التي تقدم لهم كما يقدم للنازل مما حضر، فما بالك بهم بعد ما يستقر بهم المقام فى النار؟.
ولا يخفى ما فى هذا من التهكم بهم، والتوبيخ لهم كما قال:
وكنّا إذا الجبّار بالجيش ضافنا ... جعلنا القنا والمرهفات له نزلا