(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) أي أفبهذا القرآن تتهاونون، وتمالثون من يتكلم منه، ولا تظهرون له المخالفة وعدم الرضا؟.
قال البقاعي: فهو على هذا إنكار على من سمع أحدا يتكلم فى القرآن بما لا يليق به، ثم لا يجاهره بالعداوة. وابن العربي الطائي صاحب كتاب الفصوص، وابن الفارض صاحب التائية أول من صوّبت إليهما هذه الآية، فإنهما تكلما فى القرآن على وجه يبطل الدين أصلا ورأسا ويحلّه عروة عروة، فهما من أضر الناس على هذا الدين، ومن يتأول لهما أو ينافح عنهما أو يعتذر لهما أو يحسن الظن بهما مخالفا إجماع الأمة- فهو أعجب حالا منهما، فإن مراده إبقاء كلامهما الذي لا أفسد للاسلام منه من غير أن يكون لإبقائه مصلحة ما بوجه من الوجوه اه بتصرف.
(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) أي وتجعلون الشكر على هذا أنكم تكذبون بمن منح هذا الرزق، فتنسبونه إلى الأنواء وتقولون مطرنا بنوء كذا، دون أن تقولوا أفاض الله علينا الرزق من لدنه، ومنحنا الفضل برحمته.
والخلاصة- إنكم تضعون الكذب مكان الشكر، وهذا على نحو ما جاء فى قوله تعالى:«وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً» أي لم يكونوا يصلون، لكنهم كانوا يصفرون ويصفّقون مكان الصلاة.
قال القرطبي: وفى هذا بيان لأن ما يصيب العباد من خير فلا ينبغى أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكون أسبابا، بل ينبغى أن يروه من قبل الله تعالى، ثم يقابلونه بالشكر إن كان نعمة، وبالصبر إن كان مكروها، تعبدا له وتذللا اه.