وإبعاده عما لا يليق به من صفات المحدثات، كإثبات شريك له أو ندّ، وكون الملائكة بنات له، وكون عيسى ابنا له، وتسبيح غيرهم دلالة وجوده على عظم خالقه، وانقياده له فى كل آن.
وما مثل هذا إلا مثل إشارتك لصاحبك على وضع خاص يفهم منها تأنّ واصبر، وإشارتك له على هيئة أخرى يفهم منها أنك لا تفعل هذا.
فهذه الدلالة فى الحالين أفهمت صاحبك إفهاما كإفهام الكلام، بل أقوى وأبلغ أثرا، وكم للانسان فى حركاته من معان يفهمها الآخرون بطريق لا لبس فيها.
وإذا كان هذا حال الإنسان المحدود العلم والإدراك، فما بالك بما أطلعنا الله عليه من بدائع القدرة والعلم والحكمة، وقد فهمنا منها ما لا نفهم بالقول، فلو أنك وقفت فى الخلوات، وراقبت المزارع والجنات، والأشجار مترنحات، وأنواع الكلأ متحركات، والأوراق تغنّى بموزون الأصوات، وقد أرخى الليل سدوله، وأرسل من الخافقين جحافل جنوده، تلمع من بينها الكواكب، فتضىء من بينها السباسب لتجلت لك العبر، وقرأت علوم المبتدإ والخبر، ولعلمت أنها تحت قبضة ذى الملك والملكوت، الحي الذي لا يموت، الفرد الصمد، المنزّه عن الصاحبة والولد، سبّوح قدوس، رب الملائكة والروح.
العزيز: أي الذي لا ينازعه فى ملكه شىء، الحكيم: أي الذي يفعل أفعاله وفق الحكمة والصواب، يحيى ويميت: أي يحيى النطف فيجعلها أشخاصا عقلاء فاهمين ناطقين، ويميت الأحياء، وهو على كل من الإحياء والإماتة قدير، وهو الأول: أي السابق على سائر الموجودات، والآخر: أي الباقي بعد فنائها، والظاهر والباطن: أي وهو الذي ظهرت دلائل وجوده وتكاثرت، وخفيت عنا ذاته فلم ترها العيون، فهو ظاهر بآثاره وأفعاله، وباطن بذاته، ومشرق بجماله وكماله، وهو ظاهر بغلبته على مخلوقاته وتسخيرها لإرادته وباطن بعلمه بما خفى منها، فلا تخفى عليه خافية، والمراد بستة الأيام ستة الأطوار، كما تقدم ذلك فى سورة الأعراف، والاستواء على العرش تقدم تفسيره