فى الكون ما يرشد إلى وجوده، وأرسل الرسل يدعون إلى ذلك، وأقاموا البراهين على صدق ما يقولون، فما عذركم، وإلام تستندون فى رد هذا؟.
الآن قد تبين الرشد من الغى، وأفصح الصبح لذى عينين، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟ فهل من مدّكر؟
ثم قطع عليهم الحجة وأزال معذرتهم فقال:
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي هو الذي ينزل على رسوله دلائل واضحات، ليخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ومن الضلالة إلى الهدى، ولرأفته بكم مكّن لكم من النظر فى الأنفس والآفاق، لتهتدوا إلى معرفته على أتم وجه، وأهون سبيل.
وبعد أن وبخهم على ترك الإيمان، وبخهم على ترك الإنفاق، وأبان أنه لا معذرة لهم فى ذلك فقال:
(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي وما لكم أيها الناس لا تنفقون مما رزقكم الله فى سبيله؟ وأموالكم صائرة إليه إن لم تنفقوها فى حياتكم، لأن له ما فى السموات والأرض ميراثا.
والخلاصة- أنفقوا أموالكم فى سبيل الله قبل أن تموتوا، ليكون ذلك ذخرا لكم عند ربكم، فبعد الموت لا تقدرون على ذلك، إذ تصير الأموال ميراثا لمن له السموات والأرض.
ثم بين تفاوت درجات المنفقين بحسب تفاوت أحوالهم فى الإنفاق فقال:
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) أي لا يستوى من آمن وهاجر وأنفق ماله فى سبيل الله قبل فتح مكة، ومن أنفق من بعد الفتح- ذاك أنه قبل فتحها كان الناس فى جهد وضيق ولم يؤمن إذ ذاك إلا الصديقون، أما بعد الفتح فقد انتشر الإسلام ودخل الناس فى دين الله أفواجا، ومن ثم قال: