للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمشاهد أن الإنسان إذا همّ بعمل وناجى نفسه، وجد كأن في قلبه خصمين مختصمين، أحدهما يميل به إلى اللذة ويسير به في طريق الضلال والغواية، وثانيهما يأمره بالسير في الطريق القويم وينهاه عن اتباع النفس والهوى، ولقد جاء في كلامهم عن المتردد «فلان يشاور نفسيه» .

ولا يترجح عنده جانب الشر إلا إذا خدع نفسه وصرفها عن الحق، وزين لها اتباع الباطل، وإنما يكون ذلك بعد مشاورة ومذاكرة تجول في الخاطر وتهجس فى النفس، ربما لا يلتفت إليها الإنسان ولا يشعر بما يجول بين جنبيه.

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) القلوب هنا العقول، وهو تعبير معروف عند العرب، كأنهم لاحظوا أن القلب يظهر فيه أثر الوجدان الذي هو السائق إلى الأعمال كاضطرا به حين الخوف أو اشتداد الفرح.

ومرضها ما يطرأ عليها مما يضعف إدراكها وتعقلها لفهم الدين ومعرفة أسراره وحكمه، وفقدان هذا الإدراك هو الذي عبّر عنه القرآن بقوله: (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) .

ومن أسباب ذلك الجهل والنفاق والشك والارتياب والحسد والضغينة إلى غير ذلك مما يفسد الاعتقاد والأخلاق ويجعل أحكام العقل في اضطراب.

وقد وجد هذا المرض عند هؤلاء المنافقين حين كانوا في فترة من الرسل فلم يكن لهم حظ من قراءة كتب الدين إلا تلاوتها، ولا من أعماله إلا إقامة صورها دون أن تنفذ أسرارها إلى القلوب، فتهذب النفوس وتسمو بها إلى فضائل الأخلاق والتفقه فى الدين.

(فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً) بعد أن جاء النذير البشير ومعه البرهان القاطع، والنور الساطع، وأبوا أن يتبعوه، وزاد تمسكهم بما كانوا عليه، فكان ذلك النور عمى في أعينهم، ومرضا في قلوبهم، وتحرّقت قلوبهم حسرة على ما فاتهم من الرياسة، وحسدا على ما يرونه من ثبات أمر الرسول وعلوّ شأنه يوما بعد يوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>