والمال معا كما جاء في قوله سبحانه في سورة الحجرات «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» .
وقد هدانا الله بهذا إلى أن نقصد بأعمالنا طلب رضاه وتزكية نفوسنا وتطهيرها من الشوائب التي تعوقها عن الكمال كالبخل والمبالغة في حب المال، فإن نحن فعلنا ذلك جوزينا خير الجزاء.
(وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فهو يجازى كلّا من المخلص والمرائي بما هو أعلم به، وفي ذلك تحذير من الرياء الذي يظن صاحبه أنه يغشّ الناس بإظهاره خلاف ما يضمر.
فعليك أيها المنفق أن تخلص لربك الذي لا يخفى عليه ما تنطوى عليه سريرتك، ثم ضرب مثلا لمن ينفق ماله ويتبعه بالمنّ والأذى فقال:
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) أي هل يود الإنسان أن تكون له جنة معظم أشجارها الكرم والنخل- وهما أجلّ الأشجار وأكثرها نفعا- حاوية لأنواع أخرى من الثمرات، تجرى فيها الأنهار فتسقيها ماء غدقا، علّق بها آماله، ورجا أن ينتفع بها عياله، وقد أصابه الكبر وأقعده عن الكسب، وله ذرية ضعفاء لا يستطيعون أن يقوموا بشأنه وشأنهم، ولا مورد له غير هذه الجنة.
وبينا هو على تلك الحال إذا بجنته قد أصابها إعصار فأحرقها بما فيه من سموم النار وهو أحوج ما يكون إليها، وبقي هو وأولاده حيارى لا يدرون ماذا هم فاعلون؟
وهكذا حال من يفعل الخير ويبذل المال ويحبط عمله بالرياء أو بالمنّ والأذى، فإنه يأتى يوم القيامة وهو أشد ما يكون حاجة إلى ثواب ما بذل، لكنه يجد إعصار الرياء والمنّ والأذى أبطل ما فعل من الخير وجعله هباء منثورا فأصبح يقلب كفيه نادما ولات ساعة مندم.