وروى أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا، فليستقلّ منه أو ليستكثر» .
وروى أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدّق منه ويستغنى به عن الناس، خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه» .
فمن يعلم أنه يسأل لنفسه تكثرا كالشحاذين الذين جعلوا السؤال حرفة وهم قادرون على العمل- لا يعطي شيئا، فقد رأى عمر رضى الله عنه سائلا يحمل جرابا فأمر أن ينظر فيه فإذا هو خبز، فأمر أن يؤخذ منه ويلقى إلى إبل الصدقة.
وقد روى أن هذه الآية نزلت في أهل الصّفة وهم أربعمائة من فقراء المهاجرين رصدوا أنفسهم لحفظ القرآن الكريم والجهاد في سبيل الله، ولم يكن لأكثرهم مأوى، لذلك كانوا يقيمون في صفّة المسجد (موضع منه مظلّ) وقد هاجروا بدينهم وتركوا أموالهم فحيل بينهم وبينها، فهم محصورون في سبيل الله بهذه الهجرة، ومحصورون بحبس أنفسهم على حفظ القرآن.
وقد كان حفظه حينئذ من أفضل العبادات على الإطلاق، لأنهم ما كانوا يحفظونه إلا للفهم والاهتداء والعمل به، وحفظ الدين بحفظه، وكانوا يحفظون بيان النبي صلى الله عليه وسلم له بسنته القولية وسنته العملية.
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوما على أصحاب الصفة، فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال:«أبشروا يا أصحاب الصفة، فمن بقي من أمتى على النعت الذي أنتم عليه راضيا بما فيه فإنه من رفقائى» .
ولا يحل لأهل التكايا ومشايخ الطرق أن يأكلوا أموال الناس، لأنهم لم ينقطعوا لتعلم علم ولا غزو في سبيل الله، بل قصارى أمر الأولين أن يأكلوا الصدقات والأوقاف ليعبدوا الله في هذه التكايا، فهى لهم كالأديار للنصاري وهم فيها كالرهبان، وإن كان بعضهم قد يتزوج.