للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن وا خيبة أملاه، ووا ضياع مسعاهم، ويا هول ما رأوه مما لا تصدقه العين ولا يخطر لهم ببال، بستان كان بالأمس عامرا زاخرا بالخير والبركة أصبح قاعا صفصفا قد تغيرت معالمه، ودرست رسومه، حتى تشككوا فيه حين رأوه كما قال سبحانه:

(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) أي فلما صاروا إلى بستانهم ورأوه محترقا أنكروه وشكّوا فيه وقالوا: أبستاننا هذا أم نحن ضالون طريقه؟

ولكن بعد أن تبينت لهم معالمه واستيقنوها عادوا على أنفسهم بالملامة وقالوا:

(بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي لسنا بضالين، بل نحن قد حرمنا خيره بجنايتنا على أنفسنا، بشؤم عزمنا على البخل ومنع مساعدة البائسين والمعوزين، وندموا على ما فرط منهم حيث لا ينفع الندم، كما يرشد إلى ذلك قوله سبحانه حاكيا عنهم.

(قالَ أَوْسَطُهُمْ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ) أي قال أرجحهم رأيا، وأحسنهم تدبيرا: ألم أقل لكم: هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أولاكم من النعم، فتؤدوا حق البائس الفقير، ليبارك لكم فيما أنعم وتفضل، لكنكم أعرضتم عما أدليت لكم به من الرأى وضربتم به عرض الحائط.

وبعد اللّتيا والتي، وبعد ضياع الفرصة تبين لهم خطأ ما كانوا عزموا عليه، واعترفوا بذنوبهم كما حكى عنهم سبحانه بقوله:

(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) أي تنزيها لربنا أن يكون ظالما فيما صنع بجنتنا.

ثم أكدوا ندمهم واعترافهم بالذنب تحقيقا لتوبتهم وهضما لأنفسهم فقالوا:

(إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) لأنفسنا بحرماننا البائس الفقير، ولكن هيهات فقد ضاعت الفرصة، وحل مكانها الغصّة، وهكذا شأن الإنسان.

وبعد أن حدث ما حدث ألقى كل منهم تبعة ما وقع على غيره وتشاحنوا، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>