والخلاصة- إن العذاب الذي طلبه السائلون واستبطئوه واقع لا محالة، وهو سبحانه لم يفعل ذلك إلا لحكمة، وهى وضعهم فى الدركات التي هم أهل لها بحسب استعدادهم، وما دسّوا به أنفسهم من سيىء الأعمال والخطايا التي أحاطت بهم من كل صوب.
وقد نظم سبحانه العوالم فجعل منها مصاعد، ومنها دركات، فليكن هؤلاء فى الدركات، وليكن المؤمنون والملائكة فى الدرجات طبقا عن طبق على نظم ثابتة اقتضتها الحكمة والمصلحة.
ثم بيّن مقدار ارتفاع تلك الدرجات فقال:
(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) أي تصعد فى تلك المعارج الملائكة وجبريل عليه السلام إلى مواضع لو أراد واحد من أهل الدنيا أن يصعد إليها لبقى فى ذلك الصعود خمسين ألف سنة، لكنهم يصعدون إليها فى الزمن القليل، وليس المراد من ذكر الخمسين تحديد العدد، بل المقصد أن مقام القدس الإلهى بعيد المدى عن مقام العباد، فهم فى المادة مغموسون، وهناك عوالم ألطف وألطف، درجات بعضها فوق بعض، وكل عالم ألطف مما قبله، وكلما لطف العالم العلوي كان أشد قوة وهكذا:«وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى» .
(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا) أي إذا سألوا استعجال العذاب على سبيل الاستهزاء والتكذيب بالوحى، وكان هذا يورث ضجرك أيها الرسول- فاصبر صبرا جميلا بلا جزع ولا شكوى، لأنه أمر محقق، وكل آت قريب.
ثم بيّن أن هذا اليوم آت لا شك فيه فقال:
(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) أي إنهم يرون هذا اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة- بعيدا غير ممكن، ونحن نراه قريبا هيّنا غير بعيد علينا ولا متعذر.
ثم ذكر وقت حدوثه فقال:
(يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) أي إن العذاب واقع بالكافرين يوم تكون السماء كأنها عكر الزيت، والمراد أنها تكون واهية ضعيفة غير متماسكة.