وقال الحسن: المراد بالمساجد كل موضع سجد فيه من الأرض سواء أعدّ لذلك أم لا، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة.
وكأنه أخذ ذلك مما
فى الحديث الصحيح «جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا» .
(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) أي ولما قام محمد صلى الله عليه وسلم يعبد الله، كاد الجن يكونون جماعات بعضها فوق بعض تعجبا مما شاهدوا من عبادته، وسمعوا من قراءته، واقتداء أصحابه به قياما وركوعا وسجودا، إذ رأوا عالم يروا مثله، ولا سمعوا مثل ما سمعوا.
وقال الحسن وقتادة: إنه لما قام عبد الله بالرسالة يدعو الله وحده مخالفا للمشركين فى عبادتهم الأوثان- كاد الكفار لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون متراكمين جماعات جماعات.
قال مقاتل: إن كفار مكة قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: إنك جئت بأمر عظيم، وقد عاديت الناس كلهم فارجع عن هذا، فأنزل الله:
(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) أي قل لأولئك الذين كادوا يكونون عليك لبدا: إنما أعبد الله ربى ولا أشرك به فى العبادة أحدا، وذلك ليس ببدع ولا مستنكر يوجب العجب والإطباق على عداوتى.
ثم بيّن أنه لا يملك من الأمر شيئا، فهو لا يستطيع هدايتهم ولا جلب الخير لهم فقال:
(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) أي قل أيها الرسول لأولئك المشركين الذين ردوا عليك ما جئتهم به من النصيحة: إنى لا أملك لكم ضرا فى دينكم ولا دنياكم، ولا نفعا أجلبه لكم، وإنما الذي يملك ذلك كله هو الله الذي له ملك كل شىء، وهو القادر على ذلك وحده وكأنه عليه السلام أمر أن يقول: ما أردت إلا نفعكم فقابلتمونى بالإساءة، وليس فى استطاعتي النفع الذي أردت، ولا الضر الذي أكافئكم به، إنما ذان لله.