(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ؟) أي فأىّ شىء حصل لأهل مكة حتى أعرضوا عن القرآن الذي هو مشتمل على التذكرة الكبرى، والموعظة العظمى، قال مقاتل: إعراضهم عنه من وجهين:
(١) جحودهم وإنكارهم له.
(٢) ترك العمل بما فيه.
(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) أي كأن هؤلاء المشركين فى فرارهم من محمد صلى الله عليه وسلم حمر وحشية هاربة من رماة يرمونها ويتعقبونها لصيدها وافتراسها.
وفى هذا إيماء إلى أنهم مع موجبات الإقبال إلى الداعي والاتعاظ بما جاء به يعرضون عنه بغير سبب ظاهر، فأى شىء حصل لهم حتى أعرضوا عنه؟
وفى تشبيههم فى إعراضهم عن القرآن واستماع ما فيه من المواعظ، وشرادهم عنه بحمر وحشية جدّت فى نفارها مما أفزعها- تهجين لحالهم، وشهادة عليهم بالبله، فلا ترى مثل نفار حمر الوحش، واطرادها فى العدو إذا هى خافت من شىء.
ثم بين أنهم بلغوا فى العناد حدا لا يتقبله عقل، ولا يستسيغه ذو نفس حساسة فقال:
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) أي هم قد بلغوا فى العناد حدا لا تجدى معهم فيه التذكرة، فكل واحد منهم يريد أن ينزل عليه كتاب مفتوح من السماء كما أنزل على نبيه، وجاء نحو هذا فى قوله تعالى حكاية عنهم:«لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ» .
روى أن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا: يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتى كل واحد منا بكتاب من السماء، عنوانه من رب العالمين إلى فلان بن فلان ونومر فيه بأتباعك.