الأغنياء ويتألبون عليهم حتى صارت هذه مسألة اجتماعية شائكة لديهم، وكذلك ما يصابون به في أنفسهم من الوساوس والأوهام، يعرف ذلك من راقب عبّاد المال وبلا أخبارهم. فمنهم من شغله المال عن طعامه وشرابه، بل عن أهله وولده، حتى لقد يقصّر في حق نفسه تقصيرا يفضى إلى الخسران والذل والمهانة.
وقصارى ذلك- إن الربا يمحق ما يطلب الناس بزيادة المال من اللذة وبسطة العيش والجاه والمكانة، ويصل بصاحبه إلى عكس هذه النتيجة من الهموم والأحزان، والحب الشديد للمال، ومقت الناس له، وكراهتهم إياه، وبذا لم يصل إلى ثمرة المال المقصودة في هذه الحياة، وهى أن يكون ناعم البال عزيزا شريفا عند الناس، لكونه مصدر الخير لهم، كما يكون محروما في الآخرة من ثواب المال، فهو حينئذ قد فقد الانتفاع بماله هذا الضرب من الانتفاع، فكان كمن محق ماله وهلك.
وقد قضت سنة الله في المتصدق أن يكون انتفاعه بماله أكبر من ماله، وقد تقدم إيضاح هذا.
(وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) الكفّار هنا هو المتمادى في كفر ما أنعم الله به عليه من المال، لأنه لا ينفق منه في سبيله، ولا يواسى به المحتاجين من عباده، والأثيم هو المنهمك في ارتكاب الآثام، فهو قد جعل المال آله لجذب ما في أيدى الناس إلى يده فاستغلّ إعسارهم، وأخذ أقواتهم، وامتص دماءهم.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي إن الذين صدّقوا بما جاءهم من ربهم من الأوامر والنواهي، وعملوا ما تصلح به نفوسهم كمواساة المحتاجين، والرحمة بالبائسين وإنظار المعسرين- وهذا من مستتبعات الإيمان الحقيقي المقرون بالإذعان- وأقاموا الصلاة التي تذكّر المؤمن بالله فتزيد إيمانه، وحبه لربه ومراقبته له، فتسهل عليه طاعته في كل شىء، وآتوا الزكاة التي تطهر النفوس من رذيلة البخل وتمرنها على أعمال البر- وخص هذين بالذكر مع شمول الأعمال الصالحة لهما لأنهما أعظم أركان العبادات