على إثبات ما أريد، لأن إثباته أعظم وأجلّ من أن يقسم عليه بهذه الأمور الهينة والغرض على هذا الوجه تعظيم المقسم عليه وتفخيم شأنه.
(بِالشَّفَقِ. وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ. وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) أي أقسم بهذه الأشياء التي إذا تدبر الإنسان أمرها، استدل بجلالها وعظمة شأنها على قدرة مبدعها.
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أي لتلاقنّ أيها الناس أمورا بعد أمور وأحوالا بعد أحوال، إلى أن تصيروا إلى ربكم وهناك الخلود فى جنة أو نار.
ويدخل فى هذه الأحوال جميع الأطوار التي مرت به منذ أن كان نطفة فى بطن أمه إلى أن صار شخصا، وما مرّ به فى حياته الأولى من طفولة وشيخوخة ثم موته ثم حشره للحساب، ثم مصيره إلى الجنة أو النار.
والخلاصة- لتركبنّ حالا بعد حال والحال الثانية تطابق الأولى، أي لتكونن فى حياة أخرى تماثل هذه الحياة التي أنتم فيها وتطابقها من حيث الحس والإدراك، والألم واللذة، وإن خالفت فى بعض شئونها الحياة الأولى.
وبعد أن ذكر الأدلة القاطعة على صحة البعث والحساب أنكر عليهم استبعادهم له فقال:
(فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ؟) أي فأىّ شىء حدث لهم حتى جحدوا قدرة الله وأنكروا صحة البعث، وكل شىء أمامهم ينادى بباهر قدرته، ويرشد إلى عظيم سلطانه.
وقصارى ذلك- إنه لا شبهة لهم يصح أن يستمسكوا بها على إنكار البعث والحساب.
(وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) أي وماذا حدث لهم حتى صاروا إذا قرئ عليهم القرآن لا يعترفون بإعجازه، وبلوغه الغاية التي لا يمكن البشر أن يصلوا إليها فأمرهم عجب، فهم أهل اللسان وأرباب البلاغة والبراعة، وذا يقتضى أن يعلموا إعجازه، ومتى علموه استكانوا وخضعوا له، وأدركوا صحة نبوة الرسول الذي جاء به، ووجبت عليهم طاعته.