وضوء الأهلة فى عشر ليال من أول كل شهر يشق الظلام، ثم لا يزال الليل يغالبه إلى أن يغلبه، فيسدل على الكون حجبه، وهذه الليالى العشر غير متعينة فى كل شهر فإن ضوء الهلال قد يظهر حتى تغلبه الظلمة فى أول ليلة من الشهر.
وقد يكون ضئيلا يغيب ضوؤه فى الشفق فلا يعدّ شيئا.
والخلاصة- إن الليالى العشر تارة تبتدئ من أول ليلة، وأخرى من الليلة الثانية.
(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) أي والزوج والفرد من هذه الليالى فهو سبحانه أقسم بالليالي جملة ثم أقسم بما حوته من زوج وفرد.
وبعد أن أقسم بضروب من الضياء أقسم بالليل مرادا منه الظلمة فقال:
(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) أي والليل إذا يمضى ويذهب، وهو كقوله:«وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ» وقوله: «وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ» .
ونعمة الله على عباده بتعاقب الليل والنهار واختلاف مقاديرهما بحسب الأزمنة والفصول- مما لا يجحدها إلا مكابر، لا جرم أقسم ربنا بهما تنبيها إلى أن تعاقبهما بتدبير مدبر حكيم، عالم بما فى ذلك من المصلحة لعباده.
انظر إلى ما فى إقبال الصبح من عميم النفع، فإنك لترى أنه يفرج كربة الليل وينبه إلى استقبال العمل، وكذلك تدرك ما فى الليالى المقمرة من فائدة، فهى تستميل النفس إلى النّقلة، وتيسر للناس النّجعة، وبخاصة فى أيام الحر الشديد فى بلاد كبلاد العرب.
وكذا نعرف ما فى الظلام من منفعة، فإن فيه تهدأ النفوس، وتسكن الخواطر وتستقر الجنوب فى مضاجها، لتستريح من عناء العمل، وتستعين بالنوم على إعادة القوى، وتختفى الناس من مطاردة اللصوص، ولله در المتنبي حيث يقول:
وكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبّر أنّ المانوية تكذب