وأقسم بهذه المخلوقات، للإشارة إلى تعظيم أمر الضوء وإعظام أمر النعمة فيه، وفيه لفت لأذهاننا إلى أنه آية من آيات ربنا الكبرى، ونعمة من نعمه العظمى.
وفى قوله: جلاها بيان للحال التي يكشف فيها النهار تلك الحكمة البالغة، والآية الباهرة.
وبعد أن أقسم بالضياء فى أطوار مختلفة أقسم بالليل فى حال واحدة فقال:
(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) أي والليل إذا يغشى الشمس فيزيل ضوءها فى الليالى الحالكة التي لا أثر لضوء الشمس فيها، لا مباشرة كما فى النهار، ولا بالواسطة كضوء القمر المستفاد منها، وهى قليلة فإنها ليلة أو ليلتان أو بعض ليال فى الشهر.
وفى هذا إيماء إلى أن الليل يطرأ على هذا الكواكب العظيم فيذهب ضوءه، ويحيل نور العالم ظلاما فهو على جليل نفعه وعظيم فائدته، لا يتخذ إلها لأن الإله لا يحول ولا يزول، ولا يعتريه تغير ولا أفول.
وفيه ردع وتأنيب للمشركين على تأليهه وعبادته.
وبعد أن ذكر الأوصاف الدالة على عظمة هذه الأجرام- أردفه ذكر صفات تدل على حدوثها فقال:
(وَالسَّماءِ وَما بَناها) أي والسماء ومن قدّرها على النحو الذي اقتضته مشيئته وحكمته.
وفى ذكر البنيان إشارة إلى ما انطوى عليه رفعها وتسويتها من بارع الحكمة وتمام القدرة، وأن لها صانعا حكيما قد أحكم وضعها وأجاد تقديرها، فإنه شد هذه الكواكب بعضها إلى بعض برباط الجاذبية العامة كما تربط أجزاء البناء الواحد بما يوضع بينها حتى يتماسك.
ولما كان الخطاب موجها إلى قوم لا يعرفون الله بجليل صفاته، وكان القصد منه أن ينظروا فى هذا الكون نظرة من يطلب للأثر مؤثرا، فينتقلوا من ذلك إلى معرفته تعالى- عبر عن نفسه بلفظ (ما) التي هى الغاية فى الإبهام.