وقصارى ذلك- إن الذي خلق الكائنات وأوجدها، قادر أن يوجد فيك القراءة، وإن لم يسبق لك تعلمها.
ثم بين كيفية الخلق فقال:
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) العلق: الدم الجامد، أي إن الذي خلق الإنسان وهو أشرف المخلوقات كلها من العلق، وآتاه القدرة على التسلط على كل شىء مما فى هذا العالم الأرضى، وجعله يسوده بعلمه، ويسخره لخدمته، قادر أن يجعل من الإنسان الكامل كالنبى صلى الله عليه وسلم قارئا وإن لم يسبق له تعلّم القراءة.
والخلاصة- إن من كان قادرا على أن يخلق من الدم الجامد إنسانا حيا ناطقا يسود المخلوقات الأرضية جميعها، قادر أن يجعل محمدا صلى الله عليه وسلم قارئا وإن لم يتعلم القراءة والكتابة.
(اقْرَأْ) أي افعل ما أمرت به من القراءة.
وكرر الأمر لأن القراءة لا تكسبها النفس إلا بالتكرار والتعود على ما جرت به العادة وتكرار الأمر الإلهى يقوم مقام تكرار المقروء، وبذلك تصير القراءة ملكة للنبى صلى الله عليه وسلم، تدبر قوله تعالى:«سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى» .
ثم أزاح العذر الذي بينه صلى الله عليه وسلم لجبريل حين
قال له اقرأ فقال ما أنا بقارئ،
أي إنى أمي لا أقرأ ولا أكتب فقال:
(وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) أي وربك أكرم لكل من يرتجى منه الإعطاء، فيسير عليه أن يفيض عليك نعمة القراءة من بحار كرمه.
ثم أراد أن يزيده اطمئنانا بهذه الموهبة الجديدة فقال:
(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي الذي جعل القلم واسطة التفاهم بين الناس على بعد الشّقّة، كما أفهمهم بواسطة اللسان والقلم آلة جامدة لا حياة فيها وليس من شأنها الإفهام، فمن جعل من الجماد الميت الصامت آلة للفهم والبيان. أفيصعب عليه أن يجعل منك قارئا مبيّنا، وتاليا معلّما، وأنت إنسان كامل؟