ما يخبر به الرسل من عالم الغيب، إذ هم يعلمون أنه لا مجال لحسهم ولا لعقلهم فيه، إنما سبيله التسليم، فيقولون آمنا به كل من عند ربنا، فالوقف في مثل هذا لازم على لفظ الجلالة (الله) .
أما النوع الأول من المتشابه وهو الألفاظ التي لا يجوز في العقل أخذها على ظاهرها من صفاته تعالى وصفات أنبيائه كقوله «وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ» فمثل هذا يمنع الدليل العقلي والدليل النقلى حمله على ظاهره، ومثل هذا هو الذي يأتى فيه الخلاف في علم الراسخين بتأويله فالذين نفوا عنهم علمهم به جعلوا حكمة تخصيص الراسخين بالتفويض والتسليم- هى تمييزهم بين الأمرين وإعطاء كلّ حكمه كما تقدم، والذين أثبتوا لهم علمه يردون ما تشابه ظاهره من صفات الله وأنبيائه إلى أم الكتاب وهو المحكم، ويأخذون منه ما يمكنهم من فهم المتشابه.
وعلى هذا فتخصيص الراسخين بهذا العلم لبيان أن غيرهم يمتنع عليه الخوض فيه، ولا يجوز لهم التهجم عليه.
وقد يخطر على البال سؤال وهو: لم كان في القرآن متشابه لا يعلمه إلا الله والراسخون فى العلم؟ ولم لم يكن كله محكما يتساوى في فهمه جميع الناس، وهو قد نزل هاديا والمتشابه يحول دون الهداية لوقوع اللبس في فهمه، وفتح باب الفتنة في تأويله لأهل التأويل؟
أجاب العلماء عن هذا بأجوبة كثيرة منها:
(١) إن في إنزال المتشابه امتحانا لقلوبنا في التصديق به، إذ لو كان ما جاء فى الكتاب معقولا واضحا لا شبهة فيه لأحد، لما كان في الإيمان به شىء من الخضوع لأمر الله والتسليم لرسله.
(٢) إن في وجوده في القرآن حافزا لعقول المؤمنين إلى النظر فيه كيلا تضعف وتموت، إذ السهل الجلى لا عمل للعقل فيه، وإذا لم يجد العقل مجالا للبحث مات، والدين أعز شىء على الإنسان، فإذا ضعف عقله في فهمه ضعف في كل شىء، ومن ثم قال والراسخون في العلم، ولم يقل والراسخون في الدين لأن العلم أعم وأشمل، فمن رحمته