المعنى- إن الله فطر الناس على حب هذه الشهوات المبينة بعد كما قال:«إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» وقال: «كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ» .
وقد يسند التزيين إلى الشيطان بالوسوسة في قبيح الأعمال كما قال تعالى:«وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ» .
ثم فصل هذه المشتهيات الستة التي ملأت قلوب الناس حبا فقال:
(فأولها) النساء وهن موضع الرغبة ومطمح الأنظار، وإليهن تسكن النفوس كما قال تعالى «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» وعليهن ينفق أكثر ما يكسب الرجال بكدّهم وجدّهم، فهم القوامون عليهن لقوتهم وقدرتهم على حمايتهن، فإسرافهم في حبهنّ له الأثر العظيم فى شئون الأمة وفي إضاعة الحقوق أو حفظها.
وقدم حب النساء على حب الأولاد مع أن حبهنّ قد يزول وحب الأولاد لا يزول لأن حب الولد لا يعظم فيه الغلوّ والإسراف كحب المرأة، فكم من رجل جنى حبه للمرأة على أولاده، فكثير ممن تزوجوا بما فوق الواحدة وأفرطوا في حب واحدة وملّوا أخرى أهملوا تربية أولاد المبغوضة وحرموهم سعة الرزق وقد وسعوه على أولاد المحبوبة، وكم من غنىّ عزيز يعيش أولاده عيشة الذل والفقر، وليس لهذا من سبب إلا حب والدهم لغير أمهم، فهو يفعل ذلك للتقرب وابتغاء الزلفى إليها.
(وثانيها) البنون والمراد بهم الأولاد مطلقا كما قال تعالى: «أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ»
وفي الحديث «الولد مجبنة مبخلة» .
والعلة في حب الزوجة وحب الولد واحدة وهى تسلسل النسل وبقاء النوع، وهى حكمة مطردة في غير الإنسان من الحيوانات الأخرى.