ولكن ذلك لم يغن عنهم شيئا كما قال تعالى:«يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» .
والمشاهدة أكبر دليل على صدق هذا، انظر إلى الشعوب الشرقية على كثرة عدد كل شعب منها، كيف سادها وتحكم فيها ملوك الغرب على قلة عددهم، وما ذاك إلا لفشوّ الجهل وتفرق الكلمة والتخاذل في مقاومة الغاصب، بل ممالأة بعضهم له إذا جاش بصدر بعضهم مقاومته، والسعى في إزالة طغيانه، وتحكمه في الرقاب والبلاد.
(بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أي بقدرتك الخير كله تتصرف فيه أنت وحدك بحسب مشيئتك، ولا يملكه أحد سواك، وخص الخير بالذكر مع أن كلا من الخير والشر بيده وقدرته كما يدل على ذلك قوله:
(إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لأن المناسب للمقام ذكر الخير فقط، فإنه ما أغرى أولئك الجاحدين وجعلهم يستهينون بالدعوة إلا فقر الداعي وضعف أتباعه وقلة عددهم، فأمره الله أن يلجأ إلى مالك الملك الذي بيده الإعزاز، وأن يذكّره بأن الخير كله بيده، فلا يعجزه أن يعطى نبيه والمؤمنين من السيادة وبسطة السلطان ما وعدهم، وأن يؤتيهم من الخير ما لا يدور بخلد أولئك الذين استضعفوهم كما قال «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ» .
(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي إنك تدخل طائفة من الليل فى النهار فيقصر الليل من حيث يطول النهار، وتدخل طائفة من النهار في الليل فيطول هذا من حيث يقصر ذاك.
والخلاصة- إنك بحكمتك في خلق الأرض مكورة، وجعل الشمس بنظام خاص تزيد في أحد الموين (الليل والنهار) ما يكون سببا في نقص الآخر.