بإطعام الطعام، وما سبب هذا إلا حال الشخصين، فكل منهما أدى ما سهل عليه.
ألا ترى أن الملك إذا أرسل أميرين في عصر واحد إلى ولايتين متجاورتين وجب على كل منهما نصر الآخر حين الحاجة مع اتفاقهما في السياسة العامة للدولة.
وقد يكون بين الولايتين اختلاف في طباع الأهالى واستعدادهم، وفي حال البلاد فى اليسر والرخاء، فيقتضى ذلك اختلاف تفاصيل الالتزامات، فتكون الضرائب كثيرة في إحداهما قليلة في الأخرى، والقوانين صارمة في واحدة، وسهلة هينة في الثانية وكل من العاملين يعمل للمصلحة العامة للدولة.
وهكذا حال النبيّين يؤمن كل منهما بما جاء به الآخر مع الموافقة في الأصول دون الفروع، كما آمن لوط بما جاء به إبراهيم وأيده في دعوته وقد كان في عصره.
أما إذا بعث الله النبيين في أمة واحدة فإنهما يكونان متفقين في كل شىء كما حدث لموسى وهارون عليهما السلام، وبهذا تفهم معنى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم بالكتب السابقة وبمن جاء بها من الرسل، وليس المغني أن تفاصيل شريعته توافق تفاصيل شرائعهم.
وفي الآية إيماء إلى أنه لا ينبغى أن يكون الدين مصدر العداوة والبغضاء كما فعل أهل الكتاب حين عادوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكادوا له بعد أن دعاهم إلى كلمة سواء، ولم يكن منهم إلا الصدّ والإعراض والكيد والجحود.
وصفوة القول- إنكم يا أهل الكتاب ملزمون باتباع محمد صلى الله عليه وسلم والتصديق بشريعته بمقتضى الميثاق الذي أخذ على كل من موسى وعيسى- أنه إذا جاء نبى بعده، وصدق بمامعه يؤمن به وينصره.
وإيمانكم بموسى أو عيسى يقتضى التصديق بكل ما يؤمن به كل منهما.
(قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي؟) أي قال الله تعالى للنبيين: أأقررتم بالإيمان والنصر له، وقبلتم العهد على ذلك؟