وخص هذين النبيين بالذكر، لأن الكلام مع اليهود والنصارى.
(وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) أي وما أوتى النبيون من ربهم كداود وسليمان وأيوب وغيرهم ممن لم يقص الله سبحانه علينا قصصهم.
وقدم الإيمان بما أنزل علينا على الإيمان بما أنزل على من قبلنا، مع كونه أنزل قبله- لأن ما أنزل علينا هو الأصل في معرفة ما أنزل عليهم والمثبت له، ولا طريق لإثباته سواه.
فما أثبته القرآن الكريم من نبوة كثير من الأنبياء نؤمن به إجمالا فيما أجمل، وتفصيلا فيما فصل وكذلك كتبهم، مع العلم بأن جوهر الدين واحد لدى الجميع، وهو الإيمان بالله وإسلام القلب له مع العمل الصالح، والإيمان باليوم الآخر.
(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فنصدق ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى، فما مثل الأنبياء إلا مثل الأمراء الأمناء الصادقين يرسلهم السلطان على التعاقب للقيام بشئون ولاية من ولاياته، وإصلاح أحوال أهلها، وعمل القوانين النافعة لحكمها، فقد يغير التالي بعض قوانين السابق بحسب ما يرى من تبدل طباع أهلها وعاداتهم من شراسة إلى لين، ومن جهل إلى علم، ومن بداوة إلى مدنية وحضارة، وما المقصد من كل هذا إلا عمرانها وبذل الوسع في سعادة أهلها، وإيصال الخير إليهم.
(وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي ونحن منقادون له بالطاعة لا نبتغى بذلك إلا التقرب إليه بإصلاح نفوسنا وتزكية أرواحنا، وتطهيرها من أدارن الذنوب والخطايا.
وقد افتتحت الآية بالإيمان، واختتمت بالإسلام والخضوع وهو الثمرة والغاية من كل دين أرسل به نبىّ، فقال تعالى:
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) لأن الدين إذا لم يصل بصاحبه إلى هذا الخضوع والانقياد لله تعالى كان رسوما وتقاليد لا تجدى شيئا، بل تزيد النفوس فسادا، والقلوب ظلاما، ويكون حينئذ مصدر الشحناء والعداوة بين الناس