صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان منهم من العداوة فى الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بنى قيلة (الأوس والخزرج) بهذه البلاد، والله مالنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار: فأمر فتى شابا من اليهود- وكان معه- فقال اعمد إليهم فاجلس معهم وذكّرهم يوم بعاث، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار ففعل (وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر للأوس على الخزرج) فقيل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحي على الركب (أوس بن قيظى أحد بنى حارثة بن الحارث من الأوس، وجبّار بن صخر أحد بنى سلمة من الخزرج) فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها جذعة (شابة فتية، يعنون الحرب) وغضب الفريقان وقالوا قد فعلنا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة (هى الحرّة، وهى أرض مستوية بظاهر المدينة) فخرجوا إليها، وتجاوب الناس، فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها فى الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟.
فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس وما صنع.
وأنزل الله فيه (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ) إلى آخر الآيتين